من المفارقة أن الأسبوع الذي ارتقى فيه الصقوري المتشدد جون بولتون إلى منصب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، هو الأسبوع نفسه الذي تحلّ فيه الذكرى الخامسة عشرة للحرب الكارثية التي ساهم في إشعالها ضد العراق. بولتون، المخضرم الذي سبق أن شغل عدداً من مناصب الأمن القومي في إدارتي بوش، يستعد لخلافة «إتش. آر. ماكماستر» كمستشار للأمن القومي في أوائل أبريل. وكان رحيل ماكماستر وتعيين بولتون متوقعين بعد أسابيع من التهامس حول هذا الموضوع في البيت الأبيض، لكن تأكيد ذلك في تغريدة على تويتر، يوم الخميس الماضي، جعل ناقوس الخطر يدق عبر العاصمة. واليوم، لم يتبق في واشنطن متشددون أشهر من بولتون، الدبلوماسي السابق البالغ من العمر 69 عاماً، والمشهور بأسلوبه غير الدبلوماسي جداً. فهو يتقاسم مع الرئيس ترامب موقفه من العمل الدولي متعدد الأطراف؛ وكرهُه للأمم المتحدة (عمل فيها لفترة قصيرة كسفير لبلاده) لا يضاهيه إلا استياؤه من الاتحاد الأوروبي؛ حيث ينظر إلى كلتا المؤسستين باعتبارهما منتديين للمداولات العقيمة التي تعيق قدرة واشنطن على التحرك بشكل حاسم. وقد لعب بولتون دوراً محورياً في قرار غزو العراق عام 2003. فبوصفه وكيل وزارة الخارجية لمراقبة الأسلحة وشؤون الأمن الدولي (2001 -2005)، ساعد على الترويج لأسطورة أن صدام حسين كان يقوم بتطوير أسلحة للدمار الشامل. وكان مسؤولون بريطانيون قد أشاروا في مذكرة سرية إلى مكتب رئيس الوزراء في 2002 إلى أن «المعلومات الاستخباراتية والحقائق كانت توظَّف لخدمة سياسة» إدارة بوش. وقتئذ، راح بولتون يعاقب مرؤوسيه الذين سعوا لكبح تلاعبه بالمعلومات الاستخباراتية. وطبعاً لم تكن ثمة أي أسلحة دمار شامل. لكن بولتون وحلفاؤه من «المحافظين الجدد» حصلوا على الحرب التي أرادوا، والتي مثّلت زلزالا في التاريخ الحديث كان وراء الكثير من الفوضى التي حلت بالشرق الأوسط. وتكاليف حرب بوش وبولتون ما زالت أكثر من أن تحصى؛ إذ «لا أحد يعرف بشكل أكيد عدد العراقيين الذين ماتوا نتيجة الغزو قبل 15 عاماً، لكن بعض التقديرات ذات المصداقية تشير إلى أكثر من مليون. نعم أكثر من مليون شخص»، هكذا كتب الكاتب العراقي «سنان أنطون»، مضيفاً: «كثيراً ما يتم الحديث عن غزو العراق في الولايات المتحدة باعتباره (غلطة)، أو حتى (خطأً جسيماً)، لكنه كان جريمة، وأولئك الذين ارتكبوها ما زالوا طلقاء؛ بل إن بعضهم حظي بإعادة اعتبار بفضل فظاعات سياسات ترامب ومواطنين يعاني معظمهم من فقدان الذاكرة». بعض المنتقدين يعبّرون عن خشيتهم من تزايد إمكانية اندلاع نزاع مسلح مع كوريا الشمالية وإيران، ولسبب وجيه. ففي الشهر الماضي، كتب بولتون مقالا في صحيفة «وول ستريت جورنال»، يروّج لإمكانية نجاح ضربة استباقية على كوريا الشمالية. ويبدو بولتون غير مقتنع بجدوى المحادثات التي يعتزم ترامب عقدها مع كيم جونغ أون. والأسبوع الماضي فقط قال لـ«راديو آسيا الحرة» إنه يجدر بواشنطن ألا تقدّم تنازلات اقتصادية، مجدِّداً التأكيد على اهتمامه بتغيير النظام، وملمِّحاً إلى أن وقت ترامب على طاولة المفاوضات قد يكون قصيراً. أما بخصوص إيران، فإن صعود بولتون، إضافة إلى تعيين مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق مايك بومبيو وزيراً للخارجية، يجعلان من شبه المؤكد أن إدارة ترامب ستنسحب من الاتفاق النووي في مايو المقبل. ويدعو بولتون إلى تغيير النظام في إيران منذ سنوات. ويبدو أن بولتون سيقوم بعملية تطهير شاملة لموظفي الأمن القومي في البيت الأبيض، في خطوة قد تعمق النزعة العسكرية التي باتت سمة مميزة للنظرة الأميركية الحالية للعالم. وفي هذا الصدد، كتب ماثيو واكسمان، الذي عمل في البيت الأبيض في عهد بوش: «بدلا من الاكتفاء بإضافة منظّر أيديولوجي يميني يزعزع توازن رأي فريق الإدارة ويدفعه أكثر نحو نظرة أكثر صقورية، أضاف ترامب شخصاً يستطيع مساعدته على تحويل تلك النظرة إلى واقع». إيشان ثارور محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»