سلامة أصغر أخوتها إذ تكبرها خديجة ويتوسط المشهد الأخوي مبارك، لم تنجب والدتها سوى ثلاثة أبناء، وكان والدها غيصاً يشاد بمهاراته وما جنى من اللؤلؤ المكنون. نشأ الثلاثة أبناء في الشندغة إلى حين فرقتهم ظروف العمل والحياة، وبالرغم من ذلك كانوا على تواصل دائم مع الأسرة الممتدة فلا يكون يوم الجمعة يوماً إن لم يجتمعوا وبأشكالٍ مختلفة منها بسبب المناسبات والأعذار المختلقة، كما ساهمت الصدف في جعل بعض اللقاءات واقعٌاً وحقيقة.
 انتقلت العائلة للعيش في زعبيل، وكان ذلك عنصراً هاماً في توثيق العلاقات وتقويتها، لاسيما بعد وفاة والدهم الغيص في بداية السبعينيات أثناء رحلة علاجية في جمهورية الهند فدفنوه هناك، إذ كانت إمكانياتهم المادية لا تسمح بنقل جثمانه إلى وطنه الأم، الإمارات. كانت زعبيل في ذلك الوقت مداد القلم الذي سطر تاريخ هذه الأسرة المتواضعة، خديجة لديها زوج وأبناء، وكذلك أخوتها، وكانت والدتهم التي ترملت حديثاً الحارس الأمين عليهم، فقد حرصت على استدامة المذاهب والأعراف والسنع، وللصغار كانت مصدر سعادة، فهي تصنع لهم النواويم (مفردها نَوُآم وهي طائرة الورق التي كانت تصنعها من القرطاس وتلصق أطرافها بالنشا وتدخل في التركيبة حبات من العسو) وتعلمهم لعبة الصقلة، وتقص عليهم الخراريف، وتعد عليهم القصيد، فكانت لهم بمثابة كنز لا ينضب من الترفية والتسالي والخرجية (الفلوس)، بل كانت أشبه بصندوق العجائب.
كانوا عندما يجتمعون يقبلون بعضهم البعض بحسب ترتيب ولادتهم، فتقبل سلامة رؤوسهم جميعاً لأنها أصغرهم. كنت صغيرة حينها ولم أسمع من حواراتهم سوى «إن شاء الله» و«حاضر» و«فالك طيب» و«شيء في خاطركم»، وكانوا كثيري الحب والضحك يتكأون على وسائد عالية من الكرامة وعزة النفس، ويتصرفون بأدبٍ واحترام في حضور والدتهم وفي غيابها لاسيما بين الناس. وعندما توفت والدتهم شعروا بالفقد وضرورة التمسك برائحة الأوليين. بعد أشهر من ذلك الفراق المرير جاءت سلامة إلى والدتي خديجة، وقد أحضرت في يدها صرة فكتها وقالت: «ختية، هذي حيول ومرتعشة وفتخ أمك.. سهمك من ذهبها»، نظرت إليَّ والدتي وقالت: « لقد أصبح هذا الذهب من نصيبك الآن ياعاشة». وكان ذلك بالنسبة لي شرفاً عظيماً.
في يوم معجزة الإسراء والمعراج رن هاتفي وجاء صوت الكابتن طيار محمد بالخير مخنوقاً بعبرة معززاً بالإيمان فقال:«خالوه تعبت شوية والحين في المستشفى»، وهناك انتظرها الأجل إلى اليوم التالي، وفي عصر يوم الجمعة احتضن تراب وطننا الغالي جسد خالتي سلامة، التي صارعت المرض حتى صرعها الموت. فجوات يترك ذلك الفراق في نفوسنا ونفسياتنا وذاكرتنا.. وماهي دموعنا هذه إلا قفزات نوعية لتخطي ألم الفراق.  
للعارفين أقول، وداعاً سلامة، سليم، سلايم، سلموه، ألومة.. لنا معك ذكريات لها أروقة ومقولات ومواقف خالدة وروائح عطرك وخلطاتك تعلق في ملابسنا وفي جداننا.. وداعاً خالوه لقد كنت مثالاً أعلى في الأخلاق والشجاعة والتفاني والإخلاص، تعلمنا منك ما يسند عقولنا وينير فكرنا.. الله يغفر لك ويرحمك ويطيب ثراك يا أم نبيل.