ظلت كرة القدم تنثر البهجة والدراما في آسيا وأفريقيا على مدى شهر كامل.. الجماهير مندوبة الشعوب، تملأ المدرجات هنا وهناك، والكرة تجري بأقدام اللاعبين، وتبث رسائل السلام والمحبة والتعارف. 
البطولتان شهدتا مفاجآت وتغييراً في خريطة اللعبة بظهور قوى جديدة، ففي أفريقيا خرجت 8 منتخبات مرشحة، وفي آسيا خرجت منتخبات اليابان، وكوريا الجنوبية، والسعودية، وإيران، والإمارات، والعراق، وأستراليا، بينما نجحت منتخبات فلسطين وسوريا وإندونيسيا وطاجيكستان في بلوغ الأدوار الإقصائية للمرة الأولى في تاريخها، وهو الرقم الأعلى للقادمين الجدد منذ استحداث الأدوار الإقصائية، كما نجح منتخب الأردن في بلوغ النهائي للمرة الأولى في تاريخه، وتمكن المنتخب الطاجيكي في أن يصبح أول مشارك جديد يبلغ دور الثمانية في مشاركته الأولى منذ تحقيق أستراليا لهذا الأمر عام 2007.
حققت قطر اللقب للمرة الثانية على التوالي، وحققت نجاحاً مبهراً في التنظيم واستضافة ملايين المشجعين للمرة الثانية بعد المونديال، وكانت المباراة النهائية قصة درامية مختلفة فقد تقدم منتخب قطر وحقق يزن النعيمات هدف التعادل في منتصف الشوط الثاني بطريقة رائعة، حيث سيطر على الكرة واستدار وسدد في المرمى، ولكن خلال لحظات كان هناك تدخل متهور آخر في المنطقة، ومراجعة فيديو أخرى، وركلة جزاء أخرى وهدف آخر، وكان من الصعب العودة من ذلك، على الرغم من أن الأردن بذل قصارى جهده، فقد حسم أكرم عفيف- أحسن لاعب في البطولة- الفوز بعد تعرضه للعرقلة مرة أخرى في منطقة الجزاء، وهذه المرة من قبل حارس المرمى.
هذه البطولة صنعت نجمين وهما يزن النعيمات وموسى التعمري لاعب مونبيليه الفرنسي، وهو الوحيد في الفريقين الذي لعب في أوروبا، وكانت تلك المباراة بمثابة شهادة على حقيقة أن الفرق المتماسكة المدربة جيداً والممتلئة بالمواهب المحلية سوف تتفوق في الأداء على الفرق التي تدار بشكل سيئ والممتلئة بالنجوم، وأن الفاصل، هو قدر الجهد البدني، وصبغة الكفاح والنضال، وهما وقود المهارات الفردية والجماعية، وهكذا كان منتخب الأردن الذي مضى في طريقه للنهائي محققاً العديد من المفاجآت.
إن كأس الأمم الآسيوية وكذلك الأفريقية، لا تتعلق أبداً بما يحدث على أرض الملعب فقط، إن كل بطولات كرة القدم الدولية تدور حول القوة الناعمة، وباتت البطولات عرضاً للمستوى الحضاري والثقافي والاجتماعي للأمم إلى حد ما، وحتى بطولة كأس العالم الأولى في عام 1930 كانت في جزء منها تتعلق باحتفال أوروجواي بالذكرى المئوية لاستقلالها، فأنشأت الدولة استاد سنتنياريو، واستضافت البطولة الكبرى بعد فوزها بذهبيتي كرة القدم في دورتي الألعاب الأوليمبية عامي 1924 و1928، للترويج لنفسها بقيادة رئيسها آنذاك خوان كامبيستيجي، والإعلان عن كيفية صناعة اقتصاد وثقافة قادرة على تنظيم حدث عالمي.
** كرة القدم ليست فقط صناعة، واستثماراً، ولكنها حافلة بالرسائل، والإشارات، وانتصاراتها تمس كبرياء المشجعين والأمم.. وهي ليست مجرد بالونة يجري خلفها 22 لاعباً يتصارعون على ركلها!