يحدث دوماً أن يسألني قارئ لتجربتي الشعرية، أو مستمع في إحدى الأمسيات أو صحفي صديق عن كيفية كتابتي القصيدة، أو ما هي طقوسي الخاصة لكتابتها، أو كيف تأتي القصيدة وتولد. إلى ذلك من الأسئلة المكررة على مدار السنين والتجربة. وهي أسئلة طرحت منذ عقود من الزمن على الشعراء من دون وصول إلى إجابة منجزة تتيح التجاوز إلى أسئلة أكثر علماً ومعرفة في اتجاه مختلف يتيح الكشف عن سرية الشعر. وقد بقي الشعر في منطقة الغموض والإبهام. وبقي الشاعر في خانة الخفاء والأسرار التي نبضت بها روحه وخياله وعقله ليتجلى كشاعر يبدع الشعر في الوجود.
ورغم أني قد أجبت عن هذه الأسئلة بإجابات عديدة متغيرة في الشكل ومتقاربة في المضمون، حسب الظرف واللحظة، فقد كتبت إجابتي الأخيرة بغية أن تكون مرجعاً، كي أعفى من تكرار الإجابة. وكان جوابي أنني لا أعرف بعد كيف تأتي القصيدة وأكتبها، أو تكتبني. ولم أشغل نفسي بالسؤال عن ذلك. فأنا من ذلك النوع من الشعراء الذين لا يكتبون بقرار مسبق ولا بالتزام يومي. ولعلني أخضع في كتابتها لحالة كثيفة من المشاعر والأفكار والرؤى تصطخب في الأعماق، وتصطرع مع اللغة ومخزون الثقافة الذي اكتسبته منذ صبا مبكر. ومشهد الحياة والوقائع وذاكرة التجارب الخاصة التي مررت وأمر بها، والتوق والرغبات وهوى النفس، والكون والكائنات والوجود. فعندما يتخالط كل هذا ويتناسج ويقصد الكشف عن ذاته في نص شعري، ويسمونه القصيدة من باب أو التبويب الذي أولع به الإنسان.
أكتب القصيدة أينما أكون حين تمتلكني. قد أكتبها في المقهى، وفي الشارع أثناء قيادة السيارة، وفي المطبخ، حين أعد الطعام لأهل بيتي، حتى أثناء انهماكي في أشغالي اليدوية، أكتبها حين أعشق وحين أهجر. أكتبها حين أستنبت البذرة وحين أشذب الغصن. وحين أستلقي على فراش التعب أو الهناءة. أكتبها حين أرقب أولادي مأخوذة بسحرهم وجمالهم. وحين أرقب الكائنات والحياة. وحتى حين يجرحني الواقع بفجاجته، وحين يبلسمني الحب بسموه وبهائه. وفي كل يوم يمر بي أشعر بأن فيه شعراً أرقى مما أقول وأصفى. وهذا ما يجعل القصائد عند الشاعر لا تكف عن التوالد. فالشعر بعض طاقة الروح وخزائن الذاكرة، قد يدون كقصيدة على الورق، أو يتربص بنا في غفلة انشغالاتنا لنعلنه. كيف يحدث ذلك؟ لا أعرف! كأنما الشعر ترنيمة القلب، أو التوق الكامن في خفاء الباطن. لهذا ليس لي في لحظة الكتابة طقوس خاصة لكتابة الشعر!