كرة القدم من الصناعات العالمية الكبرى، ويقدر حجم اقتصادها السنوي بـ 270 مليار دولار، وبكل ما في الصناعة من منتجات، تبدأ بشباك المرمى والكرات، وتنتهي بالملابس، والنجيل، وصفقات اللاعبين ومرتباتهم.
وفي هذه الأوقات تمر اللعبة بفترة خطيرة ومثيرة للجدل، فهناك فرق تزدهر وتكبر، وفرق تختفي، ويتنازع اللعبة الثراء والفقر، ويتنازعها معسكران.. الأول معسكر القيم الأخلاقية والإنسانية والروح الرياضية والمعسكر الآخر الروح الشريرة، والانحطاط الأخلاقي، ومن مظاهر هذا المعسكر، الشغب الذي زادت حدته في دوريات اشتهرت بالانضباط، مثل البوندسليجا والبريميرليج، مع ظهور تكتلات جماهيرية تحاول أن تفرض سيطرتها على الأندية، وتختلط في صفوفها مجموعات اليمين المتطرف التي تعود للظهور في أوروبا، كذلك من مظاهر الشر ظاهرة العنصرية التي تفسد رونق اللعبة.
منذ سنوات تطال الهتافات المسيئة أصحاب البشرة السمراء من اللاعبين، وتراها في مدرجات الملاعب الأوروبية، وهذه الهتافات العنصرية لوثت اللعبة. كما زادت أيضاً أحداث الشغب والاشتباك والاجتياح والاقتحام في ملاعب العالم بشرقها وغربها.. فهل بدأ عصر انهيار اللعبة وفقدان السيطرة عليها من جانب إدارتها؟ هل هو ضغط المال الهائل على اللاعبين؟ هل هو ضغط الانتماء المتطرف ممثلاً في ظواهر الألتراس.. والسؤال بصيغة أخرى هل تعود كرة القدم إلى أصلها؟
في كتابه «هذه الأقدام.. التاريخ المثير للكرة الإنجليزية» الذي نشر قبل سنوات، يقول الصحفي دافيد وينر إن اللعبة شهدت في بدايتها الحديثة والمنظمة بإنجلترا أسوأ أشكال العنف وكانت للأشرار من العاطلين واللاعبين والأغبياء، الذين يمارسونها بأحذية قاسية وخشبية، وعلى ملاعب سيئة يختلط فيها الطمي بالعرق، والمصافحة بالضرب، وبرر دافيد وينر انتشار اللعبة في إنجلترا بحاجة الشباب إلى ما يخرج طاقاتهم الشريرة والعنيفة..
هل هي طاقات شريرة فعلاً أم أن الرجل يسيء تقدير أسباب انتشار كرة القدم؟
أجزم بأن دافيد وينر أساء الظن في فهم أسباب شعبية كرة القدم وازدهارها، فكرة القدم هي «أشرف الحروب» حسب تعبير الشاعر الفلسطيني محمود درويش، وقد صارت اللعبة نشاطاً إنسانياً بارزاً وتجعل الغرباء في المدرج أصدقاء، وتجعل الملايين عائلة واحدة تشجع فريقاً واحداً، وهي لعبة مثيرة حافلة بالدراما، كل مباراة بها دراما، فكيف فاز ليفربول مثلاً بكأس الرابطة؟ وكرة القدم فيها صراع طويل مدته 90 دقيقة لا يمكن التكهن بنتيجته، وفيها صراع قصير، يستمر في كل هجمة لفريق وينتهي بسرعة بدفاع الفريق الآخر، ولا يمكن أيضاً التكهن بنتيجة.
** كرة القدم لعبة جميلة، تتجلى فيها كل القيم الإنسانية.. ويهددها الآن ظهور طبقة الأشرار وأصحاب الطاقات الشريرة، فكيف يحمي الإنسان نشاطه الرياضي المفضل من المدرجات الشريرة؟