برؤية هلال شهر رمضان المبارك، في المنزل الأول للقمر قبل دخوله منازله السبعة والعشرين الأخرى، يستهل المسلمون شهر البركة مستبشرين بخيراته من التسامح والبر والكرم والعطاء وكل ما هو إنساني ورحيم وبه لطفٌ وسماحة. تنطلق الرسائل النصية والمعايدات والتهاني والبريكات على كل ما يجمع العين بالحروف والصور والمؤثرات الصوتية. وتخلو بيوت من أولئك الذين عمروها بالحب والجمال، ومن بيتنا هذا العام تغيب شابة أفنت زهرتها وهي تثابر لتحصيل العلم وخدمة وطنها بقلبٍ لا يعرف إلا النقاوة والصفاء. ونفتقد خالة لها كرسي خاص يقابل باب البيت لتستقبل بنظراتها وتراحيبها كل من دخل بيتها بمودة ومحبة. رحلوا وبقيت رسومهم في الذاكرة ولهم منا دعاء في كل صلاة والحمد لله على ما أعطى وما أخذ.
في مثل هذا اليوم ترسل لي خالتي سلامة -رحمها الله- ثلاثة أشياء، وهي على يقين بأنها ستسعدني، يحمل الدريول قوطي من البلاستيك فيه هال مطحون، وعلبة رسم عليها فيل بها زعفران، وكيس مضغوط به قهوة مطحونة. يتبع هذه الندبة اتصال للتأكد من أن التوصيل بلغ قاصديه، وليس هناك لبس في التسليم إلى أشخاص آخرين على قائمة التوصيل. وفي الأسبوع الأول من رمضان تصلني الندبة الثانية، وهي عبارة عن كيس ذهبي خيوطه سوداء به تولة دهن عود، ثلاث دليغات لونها أسود وقاعة القدم بوتيلة، شيلتين للصلاة وعود معطر من خلطتها السحرية النادرة. 
في الأسبوع الثاني من شهر رمضان الندبة الثالثة، وهي عبارة عن مخلوط «حق الليلة» من الحلويات والخمس دراهم، عندما سألت عن هذا التوقيت بالذات قالت: في دول مجلس التعاون حق الليلة مالهم في نصف شهر رمضان وليس مثلنا في نصف شهر شعبان.. وحشرٍ بين الناس عيد.. يا بنتي زيادة الخير خيرين! في الأسبوع الثالث لا ننتظر ندبة، بل تحضر الخالة للفطور في بيتنا فنتهافت عليها بالسلام والتقاط الصور التذكارية.  
للعارفين أقول: ننتظر الهلال ونتذكر الأحبة وتغرق أعيننا في دموع الوجد والاشتياق، ولا يسعنا سوى أن نحمد الله على عطاياه من أهلٍ ووطنٍ وقيادة إنسانية لها الروح فداء.