النباتات إناث الطبيعة، وأجمل كائناتها، فثمة علاقة كينونة متشابهة ومتناسجة وطبيعية بيولوجية بين أنثى البشر والنبات، هكذا أدركتها من تجربتي الطويلة في علاقتي الحميمة بها. تعلمت حبي للشجر، سر الماء والطين وثراء الخصب والرحم. تعلمت منها كيف يكتنز الأخضر بالطاقة الكونية وتنسل إليّ، لترفعني حين أهبط، وتشع في كياني حين أعتم، وتمنحني القوة والصلابة حين يهدّني جور العيش. تعلمت منها الرقة والحنو والجمال وسلام النفس واحترام الإنسان وكائنات الطبيعة في تنوعها. تعلمت منها معاني الموت والحياة، والضوء والظلال، والعناصر وتعاقب الفصول. وتعلمت منها أيضا رفض كل قبح ووحشية وجفاف وثبات وديمومة. لا شيء في طبيعة النبات ثابت وجامد وساكن، كل لحظة هي نماء وتغير وتطور وتبدل. وغاية الحياة في قانون النبات، هي الحياة، لا الموت ولا الفناء اللذين أصبحا غاية البشر ووسيلتهم الوحشية.. تسقط أوراق النبات في الخريف لا لكي تموت بل لتخصب الحياة في الجذور.
وتجدد شباب الشجرة. لذا صرت أجمع كل أوراقها المتساقطة وأحيلها إلى تربة خصبة. أزرع فيها نباتاتي الجديدة. وفق موسمها. كنت أشتري التربة الجاهزة «الكومبوس» حين أرغب في زراعة البذور في الأصص. صرت أصنع هذه التربة من بقايا النباتات والخضار، لتصبح تربة طبيعية غنية بعناصرها الطبيعية دون ذرة مواد كيميائية صناعية تسبب الأمراض التي لا حصر لها.
وحين تمر بي الكآبة - وما أكثر أسبابها، في واقع كل ثانية فيه تنضح بها - لا شيء يبهجني، يعيد إلى نفسي التوازن والسلام والهدوء سوى حديثي إليها، والعناية بها، وقراءة كتابها وعلومها، حتى أصبحت أحسها وأسمع نهنهة الماء في الجذور وأنينها حين الظمأ.
وحين أدخل أي مكان أتلفت بحثا عنها، فالمكان الذي لا نبات فيه لا أعول عليه. والمرأة التي لا علاقة لها بالنبات، أقل أنوثة في نظري حتى لو ارتدت كل أقنعة الأنثى!. والرجل الذي لا علاقة له بالنبات، لا يعرف معنى الأنوثة ولا يفهم لغة الأنثى! وعلاقتي بالنبات علاقة حب وعشق لا علاقة إعجاب، فالإعجاب شعور عابر قد يثيره أي شيء، أما العشق فإنه مقيم ومتجذر! أغلب الناس تُعجب بالنبات وتشتريه بأثمان باهظة، لكنه يموت بعد حين بين يديها، لأن النبات يحتاج إلى الحب لا إلى الإعجاب. ومفهوم الأصابع الخضراء، هو مفهوم في معاني الحب وتجسده.
أما السؤال الذي يوجهه أكثر الزائرين: ((كيف ينمو النبات في بيتك بهذه الكثافة والجمال والتنوع، في أجواء بلادنا الحارة،؟)) فإنه يكشف عن مدى جهل كثير من الناس بطبيعة النبات. ففي أجواء بلادنا يتوافر للنبات شرطان مهمان لنموه وازدهاره وتكاثره رغم شح الأمطار، وهما: (الرطوبة والدفء) فلو كان مناخ بلداننا جافاً وحاراً لتعذر على أكثر النباتات النمو!