الحياة دائرة الحب مركزها، والحريّة محيطها. بعضنا أمسك بالحب، وجعله في السجن، حتى أمرضه، فذهب إلى الحياة بقلب أشبه بالقفص الصدئ، ولم يعد بإمكانه أن يتعاطى مع الآخر إلا من خلال مشاعر متهتكة، مثل قماشة قديمة، يحاول أن يتزين أمام الآخرين، ولكن قماشته القديمة، تبدي ما عليها من رقع تفضح سريرته، الأمر الذي يجعل الحب منطقة ملتهبة، بنيران ودخان، تعمي صاحبها عن رؤية الحياة، كما هي، فلا يرى سوى أشباح مخيفة، وكائنات مشوهة ومرعبة.
ينكص هؤلاء العاشقون المرضى إلى مراحل ما قبل الحب الحقيقي، ليصيروا في دائرة اللهف، وتتشكل لديهم صور باهتة، مثل أحافير ما قبل التاريخ.
هؤلاء لا يعيشون لحظات الحب المضيئة، بل هم في وسط الدائرة المعتمة، لا يَرَوْن إلا أنفسهم، وبالتالي يصبح الحب مجرد محاولة للسلب، والاستيلاء، وعدم القدرة على العطاء.
هؤلاء أشخاص تنامت في داخلهم ذرات دقيقة، كحبات الرمل تحت الجفون، إنها لا ترى بالعين المجردة، ولكنها مؤذية تزرع الآلام كأورام سرطانية، خبيثة.
هؤلاء وهم في سجن الدائرة المغلقة، انكفأوا على أنفسهم، وعاشوا في سجنهم النفسي، ولا يَرَوْن في الحياة، سوى جدار دائري داكن، يمنع عنهم الضوء الخارجي، بل هم لا يعترفون بالحياة، إلا بسواد المساحة الدائرية، ولا يَرَوْن في الناس إلا وجوها نافرة، وغريبة.
وهناك بشر فروا من مركز الدائرة إلى المحيط، ذهبوا إلى الحياة، وأمامهم خيط سميك اسمه الحرية، أمسكوا به بكل ما أوتوا من قوة، أصبح الخيط هو طريقهم إلى الحياة، ولكن الخيط، أخذهم إلى أبعد ما يكون في الحياة، الخيط امتد، وامتد، حتى أصبح أرفع من الشعرة، وبعد زمان من الامتداد ينقطع الخيط، ويهيم هؤلاء في فيض رمادي لا يَرَوْن من، خلاله سوى حياة مفتوحة على اللا معنى، ومشاعر تندلق على الأرض مثل بقعة ماء تاهت على أرض منحدرة، لا تروي من ظمأ.
هؤلاء أخذتهم الحرية بلا حب إلى منطقة جافة، ساخنة، تحيق بالحياة، وتمرق، وتمزق، وتحرق، وتخرق غشاء الفطرة، بحيث يصبح الإنسان، مجرد آلة جوفاء، خاوية، وبلا معنى.
نحن بحاجة إلى الدائرة، بمركز ومحيط، نحن بحاجة إلى الحب، كحاجتنا إلى الحرية. في اكتمال الاثنين، تصبح الدائرة، سماء صافية.