حين تخلق وتترسخ فكرة في الذهن، فإنك تكون قد بلغت نتيجة هي خلاصة لتجربة ليست قصيرة على الأقل.
فتلك الفكرة الراسخة تأتي من خلال مجموعة من القناعات التي شكلتها حيثيات الواقع المعيش الذي من خلاله يولد ما يمكن أن نسميه الأمل، هذا الأمل الذي به نحث السير في تجليات الحياة، في تبدلات الزمن حين يتراخى الفرح في داخل الروح، وحين يجرح القلب وحين تصدم الأفكار، حيث يكون الأمل المحرك للخطوة التالية، يكون الوقود للنهوض والسير من جديد، كراقص لم تمل قدماه ولا جسده من الرقص على الماء، أو الصخر، أو على النار، أو في الهواء محلقاً فوق الجاذبية.
فالفكرة في الذهن تكون مرسومة أحياناً لأشخاص أو لشعارات وقيم ومبادئ، لمكان، لبلدان أو لمقولات، تمضي معك فترة من الزمن وربما زمن حياتك كله، تؤمن بها وتصدق أنك بلغت من الحقيقة أعماقها، تظن الخير وتبهرك الابتسامات والكلام والسلام، تصدق القلم والورق والحروف، تصدق أنك معهم من الرمل ذاته، وأنك تتنفس الهواء ذاته، وتشرب من الماء ذاته، وأنك تتألم من لسعة النار ذاتها.
لكن عندما تصدمك المتواليات من الأحداث التي لا تتسق مع الفكرة أو التصور الراسخ في الذهن فتصيبها بتشويش، يخلق في داخلك تساؤلات مثل لماذا؟ وكيف؟؛ فربما تجد إجابة تشير إلى خلل في الأشخاص، لتزيح التشويش عن الفكرة.
وربما لا تجد إجابة، فتتكرر الأسئلة، فيتسع التشويش حتى يصيب أساسات الفكرة، فتبدأ هي الأخرى في التداعي حتى ينكسر الأمل، فلا يعود للفكرة مكان في الذهن.
وعندما ينكسر الأمل تنزوي، تذهب بعيداً علك لا ترى ولا تعود لك رغبة، لا في العتاب أو الشكوى ولا حتى في الكلام، لا تترجى شيئاً ولا يغريك بريق الأسنان الكاذب.
فقط تنظر في صرح الفكرة وهو يتهاوى متكسراً كالزجاج ومتناثراً تحت النظرة الحزينة.
في أحايين كثيرة ربما لا تنجو من هذا الغبن الذي يصير مزمناً ويصعب علاجه.
وفي أحيان استثنائية تنهض كالعنقاء، تسندك قوة الأمل وتجدد خلايا الفكر الدائم، تزيح كل الركام الذي تهاوى وترفع للغابة تحية الوداع.
ووحده الصباح بمزاجه الآسر يلوح لك، وتهيم حولك أرواح نقية تأتيك من الأزمان كلها، لتشد عودك من جديد؛ والليل يخيط قصيدة جديدة داخل قلبك.