هل يعيش الإنسان من أجل ثقافته؟ حيث تتعمق الثقافة بالذاكرة، وبالرؤى اليومية في الوقت نفسه، حتى تصبح ذات مذاق يومي، ويستطيع الإنسان أن يتكيف من خلالها مع ثقافة شعبية شاملة. بعض الدول من خلال حرصها على الموروث استعانت بثقافتها لتشكل رافداً، ومكوناً له هوية، ورابطاً تتعمق به السمات الثقافية، حتى أصبحت جوهراً يتجسد حضارياً. بعض الدول غير القادرة على مجاراة العالم ثقافياً رمت بثقلها في حضن الثقافات المختلفة، وجعلت من مبدئها استشراف القادم، أما الموروث الثقافي فحالة من الاحتفاء الذي لا يجسّر العلاقة الحيوية بين ثقافة المد المتوارث، وفق منهجية ثابته.
كلما تشعبت ثقافة الأمم فقدت بريقها الزمني، وفقدت جزءاً من حضارتها. حتماً لا تستطيع الأمم أن تبقي على ثقافتها القادمة من عصور خلت، هذه الثقافة التي لا تتماهى مع الحياة، بل وباتت كالشواهد القديمة مثلها مثل ما تبقى من حضارات اليونان والمباني القديمة التي تزخر بها مدن أوروبا حتى أصبحت عرضة لطمس أساطيرها وتمزيق الرؤى التي قامت عليها.. بينما اليابان -رغم أنها أنجزت تطوراً صناعياً وتكنولوجياً باهراً وتقدمت على دول ذات صيت بالمعنى الحضاري- تماهت مع ثقافتها بمنهجية لا ترى في جل الدول التي تزخر بثقافات لا تضاهى باليابان المسكونة بالتطور الحضاري.
الإنسان الياباني أصبح له سلوكه الثقافي اليومي وترى هذا واضحاً في التعامل مع الآخر. وهذه تجربة فريدة، أن يصبح للإنسان الياباني مكونه الثقافي الذي يتعامل من خلاله بحرص وبدقة متناهية، فترى ثقافة الوقت حاضرة، ثقافة الفرد، والأهم الاهتمام بالأدب الياباني وبالأدباء، وغرس مفهوم الثقافة اليابانية في النشء، ولم يكن المدرسون اليابانيون على اختلاف انتماءاتهم بعيدين عن هذه المنظومة من السلوك الثقافي الذي يشمل أيضاً كبار السن من الخبراء، فلا ترى وفداً يابانياً يخلو من أصحاب الرأي والخبرة.
هل من شأن الثقافة أن تصنع شعباً؟ أجل لأن الثقافة هي الموروث /‏‏ الكنز، الذي يشمل الأحداث المهمة والابتكارات وتحمل في طياتها عالماً أسطورياً جديداً ومستلهماً من النظريات المختلفة.. لذا الثقافة تخلق شعباً مجدداً في إضافاته الحياتية، متناغماً في حضوره كأنه جسد واحد، لذا يعيش الإنسان من أجل ثقافته يكتسب منها الصفات السامية والمهمة.
ليس من السمات الحضارية أن نتبع الثقافات المختلفة من أجل إثبات هوية حضارية عالمية، بالإمكان أن تصبح ثقافة الدول بما هي وبمنظومتها، لكن المتطورة التي تقبل الآخر وتستقبله، بثقافتها ومكونها كحصيلة تراثية تسطر الوجود.