عندما كنت في العاشرة من عمري، شُغِفتُ بالقراءة، وكنت أجمع مصروفي اليومي، وأشتري قصصاً من سلسلة المكتبة الخضراء التي كان سعرها ثلاث روبيات ونصف روبية، وهي قصصٌ من الأدب العالمي، كنت أغير أسماء الشخصيات وأُعلق سماتها على من هم حولي من الأهل والجيران والأصدقاء، وأقول بعقليةِ من كان في ذلك العمر: «كيف استطاع كُتَّاب العالم معرفة هؤلاء وتسميتهم بأسماءٍ غير أسمائهم، ليرسلوا لهم الرسائل المبطنة، والحقيقة التي طالما يحبسها الحياء عن مواجهتهم؟».
مرت الأيام، ووقعت بين يدي قصص «كليلة ودمنة»، وهي قصص حكم ومواعظ، تتصرف بها تصرفاً مطلقاً بنات آوى (كليلة ودمنة)، ومجموعة لا يستهان بها من الكومبارس، وسكان الغابة من الأسد حتى النملة، وكان أكثر ما يشغل بالي في الكتاب هو كيف تتحور اللغة العربية، فيصبح المفرد ابن آوى وصيغة الجمع «بنات آوى»؟، نسيت الموضوع منذ ذلك الزمن حتى الأسبوع الفائت، عندما وجدت مجموعة قصصي القديمة، وفي طيات إحدى الكتب سؤال كتبته بخط «تقراه الياعدة» عندما كنت في العاشرة، وأسأل العالم: «من هن بنات آوى؟».
اليوم أعرف بنات آوى «زين امْا زين» هو حيوان الـشغبر، وأعرف أنه ذئب وكلب وثعلب في نفس الوقت، فقلت في خاطري اسألي الشباب عن الشغبر أو عن كليلة ودمنة... وبعد غداء الجمعة سألتهم عن الشغبر فأجاب الذكي منهم: «الشغبر هي كلمة مختصرة لـ شيء أغبر... والمقصود حيوان أغبر اللون، قد يكون حيوان الكوالا الأسترالي»، فرد عليه أخوه الصغير: «يا الذكي، يقول لك أول ما شيّْ كهرباء، يعني ما شيّْ كنديشن ولا حتى إنترنت يعني ما شيّْ صورة للكوالا أو حتى كيوي من نيوزيلندا... مب صح عموه»، فقلت لهم: «من اليوم وغادي كل ليلة خميس عقب صلاة العشاء لكم يلسة ويايه، بنبدأ الأسبوع الياي بخروفة قريبة على قلبي وهي «البديحة»، ولا حد منكم يقول لي ما يعرف شو البديحة!». ومنعاً للإحراج لم يتنفس أيٌ منهم بل قدموا لي الحلوى، وصبوا القهوة، ووعدوا باللقاء حسب الموعد المتفق عليه، لنبدأ رحلة المستقبل حاملين عبق الماضي وهويتنا معاً.
***
للعارفين أقول:
الخراريف اللي كنا نسمعها من يداتنا، اللغة العربية التي تعلمناها في المدارس الحكومية، الثقافة الإماراتية التي تشربناها من اللعب في الفريج، القراءة في المدرسة والبيت، رسخت القيم التربوية التي استسقيناها من قصص الأطفال، فأسهمت في خلق بيئة جاذبة لاتساع الأفق، والتروي، والولاء وحب الوطن.