لا شك أن تاء التأنيث فرضت نفسها على حياتنا ومستجدات عصرنا، فغدونا لا نستغني عنها، ولا تسير أمورنا إلا بالتساوي معها، فلها النصف، والنصف الآخر وما حوى، وهو استحقاق بعد عصور طويلة من فرض جبروت الفحولة على كل مقدرات حياتها، والتضييق على حالها والتحكم في أحوالها، لكن هناك حروف تاء كثيرة وجديدة غير تاء التأنيث، دخلت في حياتنا المعاصرة، حتى ضقنا بها ذرعاً، وهي ما دخلت في أمر إلا زادته تعقيداً، وضاعفت من تكاليفه، وكثرت مصاريفه، وجعلت الناس تقاسي الأمرّين، أول حروف التاء التي تمكنت من مفاصل حياتنا، وغيرت إيقاع يومياتنا «تدبير»، و«تدوير»، و«تسهيل»، و«تمكين»، و«تحفيز»، و«تجميع»، و«توفير»، و«تبسيط»، و«ترشيد»، و«تكليف»، و«تشطيب»، و«توقيف»، و«تعريف»، و«تكوين»، و«تعمير» و«تشييد»، و«تغريم»، و«تلزيم»، كل واحدة من تلك المختصرات لتلك الكلمات الرنانة، تعني شركة أو مؤسسة يفترض أنها أنشئت من أجل تبسيط إجراءات الناس، وتوفير وقتهم، وتقديم ما ينفعهم، والأخذ بأيديهم نحو مفهوم جديد لفن الإدارة العصرية والذكية، والبعد عن التوريق والتعقيد، والمهر والتصديق والتسويف، وتجنباً للرشوة والبرطلة والتقديم والتأخير حسب كتب التوصية، لكن الحقيقة أنها وضعت وكأن القصد منها مزيد من الكسب، ومزيد من التكاليف المنظورة وغير المنظورة، فزادت بفضلها الرسوم على الناس، فالورقة التي كانت تأخذ في يد ثلاثة موظفين من الدمغة القديمة، كانت تكلف المراجع خمسين درهماً، اليوم من جهاز حاسوب، وموظف يعمل عن بعد، ومعاملة إلكترونية أصبحت المعاملة تكلف المراجع ثلاثمائة وخمسين درهماً، وقيسوا إذا أردتم القياس، والتميز بين الناس، تريد أن تحمي رأسك من ضربة الشمس، وصَلّ العرق، ادفع فرقية ثلاثين درهماً لشركة «تسخين وتبريد»، تريد أن توفر مشواراً إلى مدينة أبعد لتدفع مخالفة ما، نحن نختصر عليك الطريق، وعثرته، وبنزين سيارتك، لكن ادفع الفرقية لشركة «تفعيل»، ووفر الوقت والجهد، وتجنب حوادث الطرق السريعة، تريد أن توقف سيارتك في الظلة، وإلا تحت هالشمس الحارقة، ادفع الفرقية لمؤسسة «تعضيد»، عندك فوبيا من مراجعة البلدية والصحة والعمل والعمال، ادفع الفرقية، واحصل على الترقية، مقابل «خمس ميّة»، لا تريد وجع الرأس، والمماحكة مع شركات الهواتف السلكية واللاسلكية، ادفع فاتورتك من خلالنا نحن شركة «تحميل» العربية، وليس لدينا فروع أجنبية مثل «اب كريد أو داون لود»، أمورك معطلة عند محام أو قاض، ادفع فروق عدم فتح ملف قضية عند شركة «ترجيع» الحق لأصحابه، لمن أراد إراحة أعصابه، وكسب القضية بالفرقية!