على هوامش الإنجازات الكبرى، يعلو ضجيج متوقع هذه الأيام، مدفوعاً بالتشكيك المجاني، أو نوازع الحسد، أو معاداة النجاح، وقد اجتمعت هذه الأسباب وغيرها على منصات التطرف الإقليمي، فيما تدخل الإمارات حقبة تاريخية جديدة، أسفرت عن وصول هزاع المنصوري، أول رائد فضاء عربي إلى المحطة الدولية.
أمس، تواصلت هاتفياً مع المنصوري من مركز محمد بن راشد للفضاء، وسألته عن شعوره وهو يتحدث لغة الضاد ولهجتنا المحلية من الفضاء، وكيف يرى مستقبل الإمارات على بعد 400 كيلومتر من الأرض، وكانت فرصة ثمينة لي ولزملائي الإعلاميين، لنطلع على تفاصيل علمية، بالغة الأهمية عن الرحلة، ولنعرف قيمة ما فعلته بلادنا.
ننتظر اليوم، عودة رائد الفضاء بطلنا إلى الكرة الأرضية بأمنيات السلامة ومشاعر الفخر، وقد صنع لحظة فارقة في مسيرة النهضة الإماراتية، تتويجاً لطموحات وخطط وجهود تراكمية، بدأت عملياً منذ سبعينيات القرن الماضي، وانطلقت في مسار مؤسسي العام 2014، مع تأسيس وكالة الإمارات للفضاء العام 2014، ومركز محمد بن راشد للفضاء في 2015.
قفزة حضارية إماراتية واسعة، وتجربة عملية ناجحة، وخطوة كبيرة في طريق التقدم والطموح، وليست رحلة سياحية، مدفوعة التكاليف، لتحقيق مكاسب إعلامية، كما تشيع ضوضاء التطرف ودعايته في الإقليم، وقد فاجأتها قدرتنا على ارتياد الفضاء في سياق مشروع علمي وطني، بأبعاد حضارية، تقف وراءه قيادة شجاعة، وشعب متعلم.
ليست رحلة سياحية، فهزاع المنصوري رائد فضاء تهيأ جيداً لمهمته، ونال وافراً من العلم والتدريب والتأهيل، ليكون جديراً بتمثيل المشروع الفضائي الإماراتي، الذي يصنّع فيه المواطنون الإماراتيون أقماراً اصطناعية، ويترقبون إطلاق «مسبار الأمل» إلى المريخ العام المقبل، ليصل في 2021.
لا سياحة في الفضاء على متن محطة دولية، تعمل فيها وكالات فضائية عالمية كبرى، ولا توجد مرافق سياحية، لتظهر في خلفيات صور رواد الفضاء، إلا لمن يريد التقليل من شأن هذا الإنجاز، ويتوهم أنه يدحض الحقائق العلمية بالأوهام والأكاذيب، فالفريق الفضائي ينهمك في أبحاث علمية لفائدة الإنسانية، ويدرس ديناميات عمل السوائل والموائع في انعدام الجاذبية، ومعرفة تكيّف أعضاء الجسم البشري في الفضاء، وما إلى ذلك من دراسات تهم العلماء والباحثين، وقطعاً، لا مكان لها في إعلام التطرف وجهله عبر المنطقة.
بالنسبة لنا، فإن الضجيج الإيجابي كان يوم الـ 25 من سبتمبر 2019، عندما انطلق الصاروخ «سيوز أف جي» من منصته في كازاخستان، حاملاً المركبة «سيوز إم أس 15»، وعلى متنها هزاع ورواد فضاء آخرون، أما ضوضاء التشكيك والحسد، فسيظل يغيظها كل نجاح وكل أمل.