بين رقصة الحياة لـ «انطوني كوين» في فيلم «زوربا»، ورقصة الموت الجنونية لـ «خواكين فينكس» في فيلم «الجوكر»، تخلد اللحظات، وتتنازعها تقلبات النفس البشرية بين ضحك كالبكاء، وبكاء حد الضحك الهستيري الذي من دون إرادة، فيلم «الجوكر» قال كل شيء، فيلم بلا غلطة، حيث شكل الثنائي المخرج «تودي فيليبس» والبطل «خواكين فينكس» تحفة فنية رائعة، وعملاً سينمائياً مميزاً، اعتمد على هزائم النفس البشرية، وانكسارات الذات، وتعاضد كل الأشياء عليها لسلبها معنى الحياة، بدءاً من «غوثام» المدينة المتخيلة لتوحش نيويورك، مروراً بمسؤول العمل، وبعض زملاء المهنة، ومتنمري الشوارع، والطبيبة المعالجة، وشركات التأمين الصحي، والجارة، وانتهاء بأسرار الأم وأمراضها، كلها حولت ضحكة «الجوكر» إلى دمعة، حين يقفل راجعاً من أداء دوره الهزلي، ويمسح الأصباغ الكثيفة والمبالغ بها من على وجهه، يأتي الحزن ثقيلاً حين يرى وجهه عارياً، ويجد نفسه نكرة، هامشياً على حواف كل الأشياء، فهو يعيش مع أمه على سلسلة من الأكاذيب والمرض التوهمي، حتى يكتشف أنه ابن غير شرعي، وأن أباه «السياسي» هو وهم مختلق، وقصص ليلية كانت تسليه بها أمه، فتولد عنده الانتقام لإثبات الذات، ويكتشف أنه من دون موهبة حقيقية حين سخر منه مقدم البرامج المشهور، فيقرر الانتقام العلني منه وأمام المشاهدين، كذلك علاقته مع جارته تخيلية، وفيها شيء من الدونية كما يتوهم، فذهب في انتقامه لآخر مدى ليشكل حالة في الشارع تتعاطف معه، ويعد أيقونة لثورة المهمشين أو «الجواكر» التخريبية، وحالهم أنهم يبغون الاعتراف من خلال التخريب، ولا يريدون حلولاً لأوضاعهم، فقد سئموا الخطاب السياسي والمخدرات والمسكنات، ولا يريدون سماع أي شيء آخر غير الانتقام.
«الجوكر» من الأفلام التي تخرج منها، وأنت مختلف عما كنته قبل ساعتين، وتخرج ورأسك مثقل بالأسئلة، وفيك فرح الاستمتاع والدهشة والكمال الفني، أرشحه من الآن للأوسكار، خاصة أداء الممثل المبهر والقدير «خواكين فينكس»، وربما تشابه كثيراً بالتفوق نفسه مع الممثل «هيث ليدجر» الذي غادر الحياة مبكراً بعد أدائه الرائع في فيلم الجوكر «فارس الليل».
«خواكين» الذي يعاني من فلح الشفة والحنك أو الشفة الأرنبية، هو فنان شامل متكامل، ومن أسرة فنية، لفت نظر العالم حينما قام بالدور الثاني في فيلم «غلاديتر»، ورشح لجائزة الأوسكار التي كان يستحقها، لكن المهرجان السينمائي عوضه بجائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم جميل «أنت لم تكن حقاً هنا»!