هناك فرحة عربية بالأكل، وهناك مبالغة ترحيبية به، وهذا ما تمثله عندنا ثقافة الجوع التاريخي، ونجدها مجسدة أكثر ما تكون في السينما العربية، فالبطة يحتارون من أين يأكلونها، والإوزة والفرخة ينتفون ريشهما عند عتبة الباب، للتمايز عن الجار، والديك الرومي سيد المائدة، أما اللحم أو الذبيحة فتقام لكل جزء منها حفلة خاصة، الهبر والرّيَش والكبدة والكلاوي، ولحمة الرأس، والموزات، وخذ رمّ عظمك، أما فخذ الدجاجة أو الخروف فيلتهم بطريقة حيوانات الغاب على الطاولة السينمائية، رغم أن البطل جالس بـ «روب دي شامبر» يأكل مع أمه وأخواته، أما الأكلات البحرية فنهارها عيد، وليلها مضاء بكل بهرجة الفوسفور، ولم يظهر مشهد زفاف سينمائي إلا وتسبقه مشاهد لالتهام المأكولات البحرية أو تذكر الوصفة الشعبية القاتلة «الكوارع».
هناك تغزل واضح في الثقافة العربية بالأكل، وتقريبه إلى الاشتهاء الأنثوي، وهو أمر يدل على جوع تاريخي، فالبنت شبيهة بـ «لهطة القشطة» وهي الزبدة والسكر والعسل، وهي لحمة البتلو، والنيفة، وهي ملهلطة ومربربة، وسمن بلدي، وحتة دين فرولاية، «تقرمش يا جدع»، الخدود خوخ وتفاح، والصدر منجا ورمان و«شوب تين وزيتون».
دائماً هناك تشبيه للموجود بالمشتهى، ولم أجد في ثقافات العالم شعوباً آكلة للحم البشري، وتتغزل فيه، ففي ثقافة دول جنوب شرق آسيا ونيوزيلندا مثلاً، والتي تكثر فيها أنواع الفواكه والثمار الفردوسية لن تجد تشبيهاً لملموس بمحسوس، والأميركان رغم أنهم يحبون الديك الرومي، وهو علامة لعيد الشكر عندهم، إلا أنهم لا يجسرون على أن يشبهوا أميركية بفخذة ديك رومي، ورغم أن تفاحهم لا يعلى عليه، إلا أنهم يتجنبون أن يشبهوا به حبيبتهم، وملكة بريطانيا تحب البط، وهناك حديقة ملكية له، وتتفقده، وتصرف عليه من ضمن مخصصاتها الملكية، وهو رمز للتفاؤل عندهم، لكن هل يمكن للإنجليزي أن يعطي لامرأته صفة البطة، والفرنسيون لا أحد مثلهم يحب الكلاب، وتزاحمهم في شققهم الضيقة، لكن حين يغضبون، وهم كثيراً ما يغضبون، ينعتون المرأة المومس بالكلبة، والعيشة التي تعيشها بعيشة الكلاب، الغريب أن الحمار في أميركا يكاد يكون منقرضاً، ولا يذكر في أدبياتهم إلا من خلال ثقافات الشعوب المختلفة التي استوطنت أميركا، وحضور الحصان هو الأبرز، فثلاثية الكاوبوي الأميركي، حصان ومسدس وقبعة، لكنّ للحمار وجوداً في الحياة السياسية الأميركية شعاراً للحزب الديمقراطي، فيما الفيل شعار الحزب الجمهوري.
الشعب الألماني صارم، لأن الألمانية حمّالة أوجه، فيمكن أن تشبهها بالخيل، ولا تخطئ أو تصفها بالفاكهة الحمضية، ولن تجرم أو بـ «البوبرة»، ولن يعترض عليك أحد، الإيطاليات - يسعدهن الله- اسباجيتي، وبيتزا، ولازانيا، وباستا، أما الفرنسيات فالوصفات تفوق الموصوفات، أما الروسيات فلهن بياض مشروباتهن المحلية، وصلابة البطاطا في المزارع التعاونية الاشتراكية، وطول الليالي البيضاء في الأصقاع الشمالية، أما الخليجيات فهن خبيصة وعصيدة وهريسة، وعمليات تجميل بأنامل لبنانية!